التطورات العلمية تحلّق بالألومنيوم إلى آفاق جديدة

 يبدو أن الألومنيوم سيواصل انتعاشه، فقد أغلقت أسعار المعدن في بورصة لندن للمعادن في 29 مارس 2017

يبدو أن الألومنيوم سيواصل انتعاشه، فقد أغلقت أسعار المعدن في بورصة لندن للمعادن في 29 مارس 2017 على 1960 دولاراً للطن . وجاءت القفزة التي حققها المعدن بنسبة 0.8% مقارنة باليوم السابق نتيجة للتفاؤل بشأن تأكيد الصين اعتزامها الاستمرار في تعهدها بخفض إنتاج الألومنيوم.

وبالرغم من أن السعر قد أغلق في اليوم التالي، 30 مارس 2017، على تراجع إلى 1956 دولاراً للطن، فإنه بقي أعلى من السعر المماثل للمعدن في مارس 2016 بأكثر من 300 دولاراً، متفوقاً على المعادن الأساسية الأخرى في السوق مثل النحاس والزنك.

أدت هذه الأرقام بلا شك إلى ارتياح من جانب مراقبي السوق ومنتجي الألومنيوم من أستراليا إلى أمريكا، وذلك بعد أسابيع من الضبابية حول مدى دقة ما تردد حول توجّه الصين نحو تقليص الإنتاج، بهدف التعاطي مع تصاعد مستويات الضباب الدخاني في الحزام الصناعي شمال البلاد.

508-_DSC4647 copy.jpg 

جاء هذا الارتياح في أعقاب الاضطراب الذي شهدته السوق في منتصف مارس، نتيجة لإعلان مصنع "هونجكياو" في الصين، والذي يعد أكبر مصنع في العالم لإنتاج المعدن، عن استهدافه رفع قدرته الإنتاجية السنوية بنحو 15% العام الجاري في حال واصل السوق تعافيه.

لكن يبدو أن إعلان العملاق الصيني فرض إجراءات صارمة للحد من التلوث عن طريق خفض الطاقة الإنتاجية، قد وضع نهاية لهذه الحالة، على الأقل في الوقت الراهن.

السؤال الذي يبرز الآن هو ما مدى أهمية هذا الإعلان ؟

لا شك أن الإعلان يحمل أهمية كبيرة في ضوء إنتاج الصين حالياً قرابة 50% من إنتاج العالم من الألومنيوم، وأن 28 مدينة فقط في شمال الصين تسهم بنحو 20% من إجمالي ما ينتجه العالم من المعدن. وتتضح أهمية ذلك أكثر عند مقارنته بما تنتجه دول الخليج العربي مجتمعة، والتي تسهم بنحو 10% من الإنتاج العالمي من الألومنيوم.

كشفت التأكيدات الأخيرة للصين عن خطة مفصّلة تقول السلطات المعنية أنها سوف تخفّض من الضباب الدخاني في الشتاء بمنطقة شمال البلاد. وتهدف الخطة، والتي على ما يبدو ترسم بوضوح الأهداف والجدول الزمني لتنفيذها، إلى تقليص التلوث الناتج عن المصانع ذات القدرة التشغيلية الصغيرة. وتؤكد السلطات أن غالبية هذه المصانع إما أنها لا تحمل تراخيص سليمة أو لا تمتلك مرافق لمعالجة الانبعاثات.

ووفق ما صرح به المسؤولون فإن الموعد النهائي المقرر لهذه الخطة، والتي ستؤثر على مصانع في أنحاء بيجين وتيانجين ومدن صغيرة في مقاطعات خبي وشانشي و شاندونغ، في أكتوبر 2017 أي قبل بدء الشتاء المقبل.

وتشير توقعات المحللين إلى أن هذه الإجراءات، إذا ما جرى تنفيذها في الموعد المحدد، سوف تسهم في تغيير قواعد اللعبة بالسوق، وسوف تحمل مخاطر في ارتفاع أسعار المعدن، وستقود إلى خسائر تصل إلى 5% في إجمالي إنتاج البلاد من الألومنيوم.

وهي خسائر يأمل لاعبون آخرون في السوق للاستفادة منها.

508-1349373344.jpg 

ولا تتعلق هذه الآمال فقط بقرار الصين خفض الإنتاج، لكنها ترتكز أيضاً على تنامي الاقبال على استخدام الألومنيوم في مختلف الصناعات بالعالم.

تأتي شركات تعبئة المرطبات والمشروبات ضمن قائمة طويلة من الصناعات التي تستفيد مما يمتلكه الألومنيوم من إمكانات هائلة. ففي العام الحالي أصبحت شركة المشروبات النمساوية SKIWATER أول شركة أوروبية تستخدم تقنية Alumi-tek لتعبئة منتجاتها من المشروبات. فقد قررت الشركة تعبئة مشروبها من التوت الفوار في عبوات من الألومنيوم تتميز بسهولة حملها وإعادة تدويرها والحفاظ على المشروبات طازجة.

508-aero2.jpg 

508Jaguar XJ40.jpg 

وفي الوقت الذي يتواصل فيه اختبار مثل هذه الابتكارات في أنحاء العالم؛ تبقى صناعة السيارات أكبر أسواق الألومنيوم على الإطلاق.

سارعت شركة نوفيليس، على سبيل المثال، للاستفادة من الاستخدامات الواسعة للمعدن لتغيير استراتيجة عملها. فقد قررت الشركة، التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقراً لها، وكذلك العديد من الشركات الأصغر الأخرى، مؤخراً الخروج من أعمال صناعة الرقائق بالولايات المتحدة الأمريكية، للتركيز بشكل أكبر على منتجات الألومنيوم لصناعة السيارات، وذلك عقب اجتياح رقائق الألومنيوم الصيني المدعوم السوق الأمريكي.

ويبدو أن هه الخطوة قد أفرزت نتائج إيجابية، حيث أصبحت الشركة حالياً المورّد الوحيد للألومنيوم لقطاع صناعة السيارات بقدرات إنتاجية في المناطق الثلاثة الرئيسية لصناعة السيارات في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، بمنتجات تدخل في صناعة 180 من موديلات المركبات.

في الوقت ذاته، وفي منطقة أخرى من العالم، توقّعت جمعية مصنعي سبائك الألومنيوم في اليابان نمو الطلب على سبائك الألومنيوم لصناعة السيارات بنسبة 1.5% على أساس سنوي ليصل إلى 986.500 طن خلال العام المالي 2017-2018.

508-Black taxi.jpg 

ويتنامى استخدام الألومنيوم في صناعة السيارات، نظراً لكونه الأخف وزناً والأقل سعراً، ويمكن تصنيعه بأعداد أكبر من المنتجات، والأهم من ذلك إمكانية سبكه في قطعة واحدة، بدلاً من مكونات متعددة، ومن ثم الاسهام في خفض التكلفة.

لا عجب إذن أن شركة سيارات الأجرة في لندن قد أنشأت مصنعاً متطوراً بتكلفة 300 مليون جنيه إسترليني في المملكة المتحدة، بهدف إنتاج 5000 سيارة أجرة كهربائية بهياكل من الألومنيوم في كل عام.

ويجري كذلك وضع الخطط لتوسيع المصنع إلى مركز عالمي للبحوث والتطوير حول القطارات التي تعمل بالكهرباء وهياكل الألومنيوم خفيفة الوزن.

508-Power train.jpg 

وإذا أردنا أن نوجز ما تقدّم يمكننا القول أنه في ضوء ردود الفعل بشأن الخطوات التي تعتزم الصين اتخاذها يتجلّى بوضوح أن الضباب الدخاني والتطوّر في العلوم يفرزان بلا شك تفاؤلاً واسعاً يجتاح سوق الألومنيوم في العالم.

لذلك عندما تقف في شوارع لندن لتستقل سيارة أجرة لا تنس أن المركبة التي تقف أمامك ليست رمزاً للثقافة والتراث البريطاني فحسب؛ بل هي أيضاً نتاج لما يمكن أن يصل إليه طموح العلم في سعيه للاستفادة من قوة ومتانة واعتمادية واحد من أكثر المعادن قيمة على وجه الأرض.. إنه الألومنيوم.